Details

كتاب الكافي


اسم الكتاب : كتاب الحج

اسم الباب : باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة

عن المعصومين عليهم السلام :

من طريق الراوة :



الحديث الشريف :
وروي أن أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - قال في خطبة له : « ولو أراد الله - جل ثناؤه - بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر طير السماء ووحش الأرض معهم ، لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحل الابتلاء ، ولما وجب للقائلين أجور المبتلين ، ولالحق المؤمنين ثواب المحسنين ، ولالزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ، ولذلك لو أنزل الله من السماء آية ، فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين. ولكن الله - جل ثناؤه - جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه ، وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ، ولو كانت الأنبياء أهل قوة لاترام ، وعزة لاتضام ، وملك يمد نحوه أعناق الرجال ، ويشد إليه عقد الرحال ، لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة. و لكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام إليه أمورا له خاصة ، لايشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم ، كانت المثوبة والجزاء أجزل ألاترون أن الله - جل ثناؤه - اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار ما تضر ولاتنفع ، ولا تبصر ولاتسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ، ثم جعله بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق الدنيا مدرا ، وأضيق بطون الأودية معاشا ، وأغلظ محال المسلمين مياها ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، ليس يزكو به خف ولاظلف ولا حافر ، ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوي إليه ثمار الأفئدة ، من مفاوز قفار متصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون لله حوله ، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له ، قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقا عن رؤوسهم ، ابتلاء عظيما ، واختبارا كبيرا ، وامتحانا شديدا ، وتمحيصا بليغا ، وقنوتا مبينا ، جعله الله سببا لرحمته ، و وصلة ووسيلة إلى جنته ، وعلة لمغفرته ، وابتلاء للخلق برحمته. ولو كان الله تبارك وتعالى - وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف النبات ، متصل القرى ، من برة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة ، لكان قد صغر الجزاء ، على حسب ضعف البلاء. ثم لو كانت الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها ، بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس ، ولكن الله - عز وجل - يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ؛ إخراجا للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في أنفسهم ، وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه وفتنته ، كما قال : ( الم . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ».


   Back to List